توفيق بوعشرين - جريدة أخبار اليوم المغربية
منذ سنوات والميزان التجاري المغربي مختل تماما تجاه فرنسا. كل سنة نصدر 2.5 مليار أورو إلى باريس ونستورد منها 3.5 مليار أورو، أي بفارق مليار أورو... في المغرب عدد كبير من الشركات الفرنسية التي تستثمر في المغرب، والتي تجني مليارات من الأرباح كل سنة في قطاع الاتصالات والأبناك والنسيج والفنادق والتأمينات والأسواق الكبرى... وغيرها من القطاعات المربحة.
في المغرب، اللغة الأولى في البلاد هي الفرنسية، وليست العربية كما ينص على ذلك الدستور. الإدارة والاقتصاد وجزء من الإعلام، كلها ناطقة بلغة باريس. المغرب يصرف المليارات على تعليم أبنائه الفرنسية وليس الإنجليزية، ويفتح ذراعه لمئات مدارس البعثات الفرنسية والمدارس الفرنسية الخاصة... سنويا، تتوجه مئات الآلاف من الأسر الميسورة والمتوسطة لقضاء عطلتها في فرنسا... كل هذا جيد ويعبر، في جزء منه، عن "قرب عقولنا وقلوبنا" من فرنسا.
المغرب لم يطالب فرنسا بالاعتذار عن نصف قرن من استعماره، ولم يطلب تعويضا عن قتل مئات الآلاف من أبنائه، ولم يحتج على استعمال المغاربة في حروب فرنسا في الهند الصينية، وكيف تحول الضحية إلى سلاح في يد الجاني لقتل ضحية أخرى (وجه القائد الفيتنامي هوشي مينه رسالة إلى عبد الكريم الخطابي يطلب منه إصدار فتوى للمجندين في صفوف الجيش الفرنسي في فيتنام تحرم قتل المغربي "لأخيه المستعمَر الفيتنامي")...
طوينا كل هذه الصفحات، ولم نفعل ما فعلته الجزائر التي مازالت تطالب بتعويض ضحايا الاستعمار وضحايا التجارب النووية في الصحراء الجزائرية...
لنضع كل هذا الإرث التاريخي والمصالح والاقتصاد والتغلغل اللغوي الفرنسي على طاولة واحدة، ونرى ماذا أخذنا ونأخذ من "أمنا فرنسا" التي فتح رئيس الدولة فيها "ورشا" مستعجلا لتنقية "الهوية الفرنسية" من كل الشوائب التي علقت بها من المهاجرين العرب والمسلمين، وفي مقدمتهم المغاربة...
ساركوزي، الذي حولت بلاده، على مدار قرن كامل، بلادنا إلى "حديقة خلفية لمصالحها"، لم يعد يقبل دخول تلميذة إلى الفصل وعلى رأسها قطعة قماش، ولم يعد يقبل بوجود مهاجرين سريين أو علنيين على أرضه جاؤوا يطلبون العلم أو الخبز...