عبده وازن - جريدة الحياة
الاستخدام اليومي للّغة العربية يزداد سوءاً يوماً تلو يوم، ولا يبدو أنّ في الأفق حلاً لهذه المشكلة المستعصية. فقدت اللغة رهبتها وباتت عرضة للانتهاك المفضوح في معظم المرافق العامة، في الإذاعة كما على الشاشات الصغيرة، في رحلات السفر كما على الهاتف، في الندوات والمؤتمرات. يخاطب قائد الطائرة الركاب بالعربية فيرتكب أخطاء جمّة، أمّا بالإنكليزية فلا. يرفع المواطن السمّاعة فتجيب آلة التسجيل بعربية «مكسّرة»، وإذا أجابت بالانكليزية أو الفرنسية فاللغة سليمة. «تشعل» جهاز التلفزيون فتنهمر عليك الأخطاء من كل حدب وصوب، أخطاء في نشرات الأخبار، أخطاء في الترجمة، أخطاء في الشرائط التي تحتل أسفل الشاشة، ناهيك عن الأخطاء الفادحة التي تُرتكب في الخطب السياسية وغير السياسية التي تبثها الفضائيات. وقد لا تُفاجأ إذا تلقيت بيانات وجدتها حافلة بالأخطاء، كلّ أنواع الأخطاء، وكأن كاتبيها أو محرّريها لا علاقة لهم بلغتهم. لكنك تُفاجأ حتماً إذا تلقيت بياناً يحمل توقيع أحد اتحادات الكتّاب أو الصحافيين العرب، ووجدته مفعماً بالأخطاء. أما الملصقات والاعلانات التي تحتل الجدران والشوارع فلا تحصى أخطاؤها.
هذه الظاهرة لا يمكن تفسيرها لغوياًَ فقط. قد يحق للمرء أن يخطئ في اللغة مثلما يخطئ في أي أمر. هذا على المستوى الفردي أو الشخصي، أمّا أن يُعمّم الخطأ ويصبح رائجاً مثل أي شائعة، فهذا ما لا يمكن الإغضاء عنه. وهنا يجب الفصل بين ما يُسمّي خطأ شائعاً وخطأ لغوياً، فالخطأ الشائع يظل على هامش القاعدة ولو شذّ عنها، أما الخطأ اللغوي فهو خطأ في قلب اللغة وقواعدها.
انها ظاهرة تتعدّى تخوم الصرف والنحو وتدلّ على حالٍ من الانحطاط الثقافي. فاللغة، كأداة تواصل، يجب ألا تلقى مثل هذه اللامبالاة ومثل هذا الإهمال والتقاعس. قائد الطائرة يلم تمام الإلمام بقواعد القيادة الجوية، ولا يمكنه أن يخلّ بها، ومثله يلمّ التقنيون، في الإذاعة والتلفزيون، بأسرار هذين الجهازين الحديثين، وهلمّ جراً. إذاً هناك قواعد لا يمكن جهلها أو إهمالها وإلا وقعت الواقعة التي لا تُحمد عقباها.